الـحـدّ الأدنـى 14 مـلـيـون لـيـرة… وإلّا!
*الـحـدّ الأدنـى 14 مـلـيـون لـيـرة… وإلّا!*
إذا علمنا أنّ نحو 95% من اللبنانيين يتلقّون رواتبهم بالليرة اللبنانية، التي لم يطرأ عليها أيّ تعديل منذ بداية الأزمة إلى اليوم (بحسب الدولية للمعلومات).
نكتشف سريعاً أنّ الشعب اللبناني كلّه تقريباً يعيش في حالة عَوَز “مكتوم” وغير معلن، ولا يُعرف متى سينفجر في وجه السلطة وفي وجه أرباب العمل.
احتساب الحاجات اليومية لأيّ عائلة لبنانية من أصحاب الدخل المتوسط، يصيبك بالذهول.
إذ تتخطّى فاتورة العيش الطبيعية، ومن دون أيّ مظاهر ترف أو كماليّات، عشرة ملايين ليرة بكلّ سهولة.
وهذا طبعاً من دون الخوض في مصاريف مشاوير نهاية الأسبوع ولا السهر والزيارات العائلية، التي حُرِم منها اللبنانيون بسبب تبعاتها الزائدة وباتت من الماضي.
وأيضاً من دون احتساب ثمن الملابس والأدوية والطبابة التي باتت على سعر صرف الدولار المعوّم، ولا حتى الأعطال المفاجئة للأدوات الإلكترونية في المنزل أو في السيارة التي بات تصليحها بحاجة إلى ما يشبه “القرض الشخصي” من المصرف.
في أقلّ تقدير، فإنّ عائلة مؤلّفة من 4 أفراد (والدين وطفلين)، بحاجة إلى ما لا يقلّ عن 2.5 مليون ليرة بدل إيجار منزل متواضع في العاصمة بيروت أو في ضواحيها.
هذا إذا كان الإيجار لا يزال يراعي أسعار البدلات القديمة، ولم يُحرَّر خلال السنتين الماضيتين اللتين مرّتا على عمر الأزمة، لأنّ أغلب عقود الإيجارات في العاصمة بيروت باتت أكثر من 3 ملايين ليرة لأيّ منزل متوسّط الحال والحجم.
ستكون هذه العائلة بحاجة أيضاً إلى نحو 2.5 مليون ليرة بدل اشتراك في التيار الكهربائي والصيانة والناطور، أو بدل مازوت للمولّد المشترَك في المبنى، وذلك في حال اعتبرنا أنّ حاجة هذه العائلة لا تزيد على 5 أمبير لزوم الإنارة وتبريد الطعام.
واعتبرنا أيضاً أنّنا في فصل الشتاء الذي لا يتطلّب تشغيل المكيّفات، لأنّ في فصل الصيف ستتضاعف فاتورة الكهرباء.
نأتي إلى مياه الخدمة، التي شحّ وصولها إلى أغلب المناطق اللبنانية، وخصوصاً البيروتية وفي الضواحي، وذلك بفعل ندرة المطر وتهالك البنى التحتية.
فكلّ المواطنين اللبنانيين تقريباً يلجأون إلى شراء مياه الاستعمال من أصحاب السيترنات، الذين يجدون المياه لبيعها للمواطنين فيما الأخيرون لا يعرفون مصدرها(!)، بما لا يقلّ عن 4 مرات شهرياً، أي ما معدّله نحو 500 ألف ليرة لبنانية.
ومثل هذا المبلغ لشراء مياه الشرب بشقّيها، مياه الطبخ ومياه الشفة، أي نحو 1 مليون ليرة لبنانية بدل مياه.
وفي ما يتّصل بالغذاء، ستحتاج عائلة مؤلّفة من 4 أفراد إلى ما لا يقلّ عن 750 ألف ليرة أسبوعياً، ويتبيّن ذلك في عمليّة حسابية سريعة:
50 ألف ليرة بدل خبز، 200 ألف بدل لحوم أسبوعياً، 200 ألف خضراوات وفواكه وحبوباً، وربّما أكثر تعويضاً عن الحرمان من اللحوم، 100 ألف ليرة ألباناً وأجباناً، 200 ألف ليرة منظِّفات شخصية ومنزلية ومحارم وتوابعها.
أي ما يعادل 3 ملايين ليرة لبنانية شهرياً، خالية من أغلب الكماليّات مثل الشوكولاته والعصائر والمشروبات الغازية والكحوليّة.
أمّا المواصلات، فتلك طامة إضافية أخرى، إذ تبلغ حاجة أيّ عائلة من البنزين ما يقارب 5 تنكات بنزين شهريّاً.
هذا إذا اكتفى ربّ العائلة بالذهاب إلى مكان عمله والعودة إلى المنزل فقط، من دون الخوض في مصاريف مشاوير نهاية الأسبوع، فيكون بدل البنزين في حدود 1.5 مليون ليرة لبنانية.
وحتى لو كان لا يملك سيارة فسيدفع المبلغ نفسه بدل مواصلات خاصّة (60 ألف سرفيس ذهاباً وإياباً مضروبة بـ25 يوم عمل).
وقد لا يقف مصروف بدل النقل أو المواصلات على الزوج، فقد يتعدّاه إلى الزوجة إذا كانت تعمل أيضاً، وسينسحب على مصاريف “أوتوكار” المدرسة الذي باتت تسعيرته قرابة مليون ليرة شهرياً عن التلميذ الواحد في أقلّ تقدير.
وبهذا الحساب ستدفع عائلة لديها تلميذان في المدرسة 2 مليون ليرة لبنانية شهرياً بدل “أوتوكار” مع الانتقال من التعليم أونلاين إلى التعليم الحضوريّ.
يضاف إلى هذا نحو 500 ألف ليرة بدل فواتير هاتف خليوي وأرضي وإنترنت، للزوج والزوجة فقط، إذا اعتبرنا أنّ الولدين قاصران ولا يملكان هواتف خلويّة أيضاً.
وطبعاً هذه الأرقام لا تشمل بدل سند “قرض شخصي” أو “قرض سيارة” مترتّباً على عائلة متوسطة من “أيام العزّ”، لا تقلّ قيمته عن 500 ألف ليرة شهرياً في أقلّ تقدير.
وفي حال كان أحد الوالدين مدخّناً، فإنّ هذه الأرقام ستشمل أيضاً تكاليف السجائر أو النرجيلة، التي ارتفعت بشكل كبير جدّاً نتيجة الأزمة.
فبات سعر أرخص علبة سجائر محليّة لا يقلّ عن 12 ألف ليرة لبنانية، وسعر العلبة الصغيرة من المعسّل لا يقلّ عن 25 ألف ليرة.
وبعملية حسابية أخرى، يمكن القول إنّ مصروف التدخين الشهري للفرد الواحد لا يقلّ عن 600 ألف ليرة، أو ربّما أكثر للمدمنين الذين يدخّنون علبة سجائر أو علبة معسّل يومياً.
وهكذا نكتشف أنّ معدّل الدخل الوسطي المطلوب لأيّ عائلة تطمح إلى البقاء على قيد الحياة في هذا البلد المشؤوم، لا يقلّ عن مجموع ما ذكرناه أعلاه، الذي يبلغ قرابة 14 مليون ليرة لبنانية.
وهذا الرقم قد يبدو متواضعاً إن حوّلته إلى الدولار الأميركي، إذ لن يزيد على 635 دولاراً أميركياً على سعر السوق الحالي البالغ 22 ألف ليرة للدولار الواحد، وهو رقم كان يمثّل قبل نحو سنتين الحدّ الأدنى للأجور مع بدل المواصلات.
تركت عمليّة التقريش “الشخصيّة النقدية” للمواطن اللبناني في حالة فصام أو schizophrenia، إذ تراه تارةً يحوّل حساباته إلى الدولار من أجل التخفيف عن نفسه نتيجة ما يتكبّده من مصاريف.
وطوراً يحتسب مسؤوليّاته على الليرة اللبنانية وذلك لزوم التذمّر والشكوى التي باتت فعلاً، لا قولاً فحسب، لغير الله مذلّة!