هل “طارت” البطاقة التمويلية بعد شرط البنك الدولي؟
⭕📰 هل “طارت” البطاقة التمويلية بعد شرط البنك الدولي؟
لم يعد 70 في المئة من الشعب اللبناني قادراً على شراء أدوية الامراض المزمنة بعد رفع الدعم عنها، أي انّ 70 في المئة من المرضى معرّضون اليوم للمرض او حتّى الموت، لأنّ دولتهم عاجزة عن تأمين أبسط حقوقهم. ومن لن يموت مرضاً، سيموت جوعاً، بعد ان بات أكثر من 75 في المئة من الشعب اللبناني من الطبقة الفقيرة، وغير قادر على تأمين أمنه الغذائي، ومواكبة تحليق الأسعار مع ارتفاع سعر صرف الدولار المتواصل. في المقابل، يبدو انّ البطاقة التمويلية التي وُعد بها المواطن بعد رفع الدعم، قد وضعت في الأدراج، واستُبدلت بمشروع البنك الدولي لدعم شبكة الأمان الاجتماعي.
وُعد المواطن منذ بدء الحديث عن رفع الدعم عن السلع الأساسية والحيوية، ببديل عن الدعم، يؤمّن له حماية اجتماعية ويعادل النسبة الإضافية التي ستتراجع فيها قدرته الشرائية بعد رفع الدعم، علماً انّها سبق وتراجعت مع رفع الدعم عن المحروقات، وقبل رفع الدعم عن الادوية، بأكثر من 90 في المئة. إلاّ انّ هذا البديل، وهو البطاقة التمويلية التي وعدته بها الحكومة السابقة والحكومة الحالية، لم تظهر لغاية اليوم لأسباب غامضة ومجهولة. فرفع الدعم عن المحروقات وعدم قدرة المواطنين على تحمّل كلفة ذهابهم الى عملهم، لم يُعوّضا لغاية اليوم لا ببطاقة ولا بتعرفة نقل ولا حتى برفع بدل النقل اليومي، بل بوعود وبيانات وشعارات فقط. كما انّ فوارق فواتير المستشفيات وارتفاع اسعار ادوية الأمراض المزمنة 10 أضعاف والأدوية الاخرى أضعاف الأضعاف، لم يُعوّض أيضاً لا ببطاقة تمويلية ولا مساعدة اجتماعية. حتّى انّ برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً الذي أمّن البنك الدولي تمويله منذ أشهر، لم يبدأ تطبيقه بعد.
عندما بدأ الحديث عن البطاقة التمويلية وعن تحديد قيمة المساعدة الشهرية التي ستحصل عيلها العائلات، كان سعر صرف الدولار عند حوالى 15 الفاً، وكانت المحروقات لا تزال مدعومة، والادوية أيضاً. وبالتالي، كانت تلك البطاقة ستعوّض عن ارتفاع اسعار السلع الاخرى الأساسية، كالغذائية على سبيل المثال. أما اليوم، ومع ارتفاع سعر الصرف الى 23 الف ليرة، ورفع الدعم عن المحروقات والأدوية، فإنّ البطاقة التمويلية، إن وُجدت، ستعوّض العائلات إن عن بدل النقل، او عن فاتورة المولّد، او عن كلفة أدويته، أو عن حاجاته الغذائية، لأنّ الرواتب والاجور في القطاع العام والخاص لم تعد مصدراً لتأمين لقمة العيش. وبالتالي، سيجد المواطنون أنفسهم، حتّى بوجود البطاقة التمويلية، في حال استوفوا شروط الحصول عليها، مضطّرين للاختيار بين الجوع، المرض، المدارس، العتمة وغيرها…
فأين هي تلك البطاقة التمويلية، وما الذي يعيق صدورها طالما انّ رئيس الحكومة ووزير الشؤون الاجتماعية أكّدا انّ المنصّة الخاصة بها أصبحت جاهزة وانّ التمويل مؤمّن؟
أفادت معلومات لـ«الجمهورية»، انّ مشروع البطاقة التمويلية قد تمّ «تنويمه» حالياً ووضعه جانباً، لأنّ التمويل غير متوفر. وبما انّ الحكومة السابقة والحالية كانت تعوّل على استخدام اموال قرض البنك الدولي المخصّص للنقل العام في بيروت، كأحد المصادر لتمويل البطاقة التمويلية، فاجأها البنك الدولي برفضه الإفراج او إعادة تخصيص اموال هذا القرض للبطاقة التمويلية، قبل بدء الحكومة بتنفيذ مشروع دعم شبكة الأمان الاجتماعي المموّل من قِبل البنك الدولي عبر قرض بقيمة 246 مليون دولار، والذي يهدف الى تقديم تحويلات نقدية طارئة وتيسير الحصول على الخدمات الاجتماعية لحوالى 786,000 لبناني فقير، يرزح تحت وطأة ضغوط الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان.
ورغم انّ هذا القرض وافق عليه البنك الدولي في كانون الثاني 2021، وتمّ إقراره في مجلس النواب، إلّا انّه لم يبدأ تنفيذه لأنّه يحتاج الى تعديلات مطلوبة من قِبل البنك الدولي، كان من المفترض ان يقرّها مجلس النواب في جلسته الاخيرة، ولم يصل اليها كونها وضعت ضمن البنود الاخيرة.
ويشترط البنك الدولي ان تبدأ الحكومة تطبيق هذا المشروع، للتأكّد من حسن التطبيق والشفافية، ليعود ويقرّر على اساسه، إذا ما كان يوافق على تخصيص جزء من اموال قرض النقل العام لتمويل البطاقة التمويلية. كما انّ البنك الدولي يشدّد على ضرورة تسديد المساعدات الشهرية للمستفيدين من برنامج دعم الأسر الاكثر فقراً وبرنامح شبكة الأمان الاجتماعي بالدولار نقداً، في حين يسعى مصرف لبنان لتسديدها بالليرة على سعر صرف السوق. وفي النتيجة، أخّرت الخلافات حول قانون قرض البنك الدولي البالغ 246 مليون دولار والتعديلات المطلوبة وكيفية تسديد امواله، تطبيقه، رغم انّ الأرضية جاهزة والمنصة الخاصة به. لذلك، شرع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امس الاول لزيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحثه على عقد جلسة تشريعية في اقرب وقت لإقرار التعديلات المطلوبة على القانون، مما يسمح بالإفراج عن امواله والبدء بتطبيقه. حيث تسعى الحكومة، بعد ان عجزت عن تأمين مصادر لتمويل البطاقة التمويلية التي وعدت بها المواطنين، الى خلط الامور عليهم، وإيهامهم انّ بدء تطبيق مشروع بناء شبكة امان اجتماعي المموّل من البنك الدولي، والذي ستحصل بموجبه، شريحة من المواطنين على مساعدات مالية شهرية بالدولار، هو البطاقة التمويلية!
مطالبات بالبطاقة التمويلية
ومن الجهات المطالبة بالإسراع في إصدار البطاقة التمويلية، أجرت كتلة «اللقاء الديمقراطي» بتوجيه من رئيسها النائب تيمور جنبلاط، سلسلة من الاتصالات واللقاءات، تولّاها النائبان وائل أبو فاعور وبلال عبدالله، مع كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار، والبنك الدولي، لمتابعة المشاريع والبرامج الاجتماعية المناطة بالحكومة، وتحديداً برنامج الحماية الاجتماعية ESSN، برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً والبطاقة التمويلية.
وأكّد «اللقاء الديمقراطي» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» في بيان، «المتابعة الحثيثة على كل المستويات، مع رئيس الحكومة والوزراء المعنيين، من أجل الإسراع بإطلاق هذه البرامج، لا سيما البطاقة التمويلية، التي تشكّل حجر زاوية في توفير مقومات الحدّ الأدنى من الصمود الاجتماعي والمعيشي للمواطنين الفقراء وذوي الدخل المحدود، الذين تشكّل قضاياهم الحياتية على اختلافها الهمّ الأساس».
بدوره، رأى عضو «كتلة التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم في بيان امس، أنّ «الوضع المعيشي والحياتي الذي يواجهه اللبنانيون لم يعد يحتمل، وضاقوا ذرعاً بمستوى الغلاء الذي وصلت اليه متطلباتهم اليومية، ولم يكن ينقصهم الّا غلاء الدواء بهذا الشكل، حيث لم تعد لديهم القدرة على تأمينه خصوصاً الادوية المزمنة».
وقال: «أمام المشهد اليومي للمواطن ومعاناته، لا تكفي الإطلالات والبيانات والتي لا تسمن ولا تغني، لأنّ المطلوب إجراءات فورية ملموسة تخفف الأعباء عن اللبنانيين، ومن حقهم أن يسألوا اذا ما زالوا في ظل دولة الرعاية مع ما نشهده من تفلّت وغلاء فاحش، ولا حسيب ولا رقيب، وأين هي التدابير التي يشعر معها اللبناني بمواطنته؟».
وتابع: «لذلك، فالمسؤولية تستدعي العمل على انجاز البطاقة التموينية، وإذا كان ذلك متعذراً حالياً، فليتمّ اللجوء الى مساعدات اجتماعية سريعة وإعادة النظر ببعض القرارات وخصوصاً الدواء والاستشفاء، حيث اصبح دخول المستشفيات حصرياً للمقتدرين مادياً، وانتفى دور الدولة في الرعاية الصحية لأبنائها، وهذا من بديهيات حقوق الانسان وأدنى مقومات العيش بكرامة، والتي يفتش عنها الكثيرون ولا يجدونها في زوايا الوطن».