محليات

ســقــوط رجــلَــي الــفــتــنــة فــي لــبــنــان والــعــراق

*ســقــوط رجــلَــي الــفــتــنــة فــي لــبــنــان والــعــراق*

إبــراهـيـم الأمــيــن – الأخـــ📰ــــبــار

إنها «لعنة لبنان» التي تصيب، عن قصد أو عن غير قصد، كلّ من حاول النيل من هذه البلاد، إن كانوا من الأعداء الخارجيين أو العملاء العاملين ضد مصلحة لبنان أو في خدمة العدو الإسرائيلي.

وسواء كان عملهم مباشراً أو من خلال بثّ الفتنة والتحريض على المقاومة وشراء الذم.

وهو ديدن كثيرين من ممثلي دول عربية وأجنبية وجمعيات تدخل باسم دعم المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.

في السنوات الخمس الماضية، تعرّف اللبنانيون على شخصيّتَين اتخذتا الصفة الدبلوماسية غطاءً لعمل أمني بامتياز.

أحدهما شغل منصب سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في بيروت، وهو حمد الشامسي. والثاني، شغل منصب الملحق العسكري في السفارة السعودية في بيروت ثم مندوباً لوليّ عهد السعودية، وهو ثامر السبهان.

*الشامسي رجل العلاقات الكاذبة*

الشامسي الذي انتقل من بيروت الى العمل سفيراً لبلاده في مصر ومندوباً في جامعة الدول العربية، ظل على تواصل مع فعاليات الساحة اللبنانية.

وهو سبق أن أعلن عن نيله الدكتوراه في التاريخ من جامعة بيروت العربية. وقد اشتهر الرجل بنشاطه على صعيد العلاقات العامة.

وكان الجميع يتجنب الحديث عن «مغامراته النسائية» التي واصلها في مصر وتسبّبت له بمشكلات كبيرة.

وهو عمل في بيروت على بناء شبكة واسعة من العلاقات مع رجال سياسة وإعلام وفنون ومشاهير وحتى رجال أمن في أجهزة أمنية رسمية.

وكان يُعرف بأنه مصدر دعم مالي لمئات الأحزاب والجمعيات والمؤسسات والشخصيات، ووسائل إعلامية وفنية.

وقد عمل برفقة شخصية أمنية إماراتية (كانت تحمل صفة دبلوماسية) على بناء شبكة من «المتعاونين» اللبنانيين تولّوا بناء داتا أمنية تركزت على حزب الله والمقاومة وأنصارها ومؤيديها في الساحتين اللبنانية والإماراتية.

كما كان يستغل منصبه الدبلوماسي في بيروت لاستخدام عملاء لبلاده، بينهم من يعمل في أجهزة أمنية رسمية، من أجل جمع معطيات جرى تحويلها الى ملفات تذرّعت بها حكومة أبو ظبي لطرد عشرات اللبنانيين والفلسطينيين من إمارات في دولة الإمارات العربية المتحدة بدعوى العمل مع حزب الله أو حركة حماس.

غُيّن الشامسي عام 2015 سفيراً لبلاده في لبنان، وبقي في منصبه حتى نهاية العام الماضي، قبل أن ينتقل في شباط الماضي الى القاهرة سفيراً لبلاده ومندوباً لها لدى الجامعة العربية.

وفبما لم يُعيّن خلف له في بيروت، وُزّعت مهام السفير على أكثر من شخص، وترك له استمرار التواصل مع شخصيات لبنانية عدة، وخصوصاً في المجال الإعلامي.

قبل أسابيع، ضجت القاهرة بأنباء عن تورّط الشامسي في فضائح متنوعة. وانتشرت في العاصمة المصرية روايات عن علاقات غير أخلاقية وعن ضبطه مرة في حالة من السكر الشديد.

وكان يتحدث بالسياسة ويوجّه الشتائم الى الحكومة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي وقيادات أمنية رسمية بارزة، ويتفاخر بأن بلاده تملك نفوذاً كبيراً في كل مؤسسات الدولة المصرية بسبب ما تنفقه من أموال.

وتبيّن لاحقاً أن السلطات المصرية، في إطار عمل الأجهزة الأمنية فيها لمكافحة تجارة الآثار، عثرت على أدلة تربط الشامسي بتهريب آثار من مصر وبيعها لأفراد أو في مزادات عالمية في أوروبا.

وبعد تحقيقات موسعة، جرى توثيق الأدلة وتبيّن أنه كان يستخدم صفته كسفير، وحتى الحقيبة الدبلوماسية، للقيام بهذه العملية.

إضافة الى استخدام اسم حمد مبارك الشامسي مدير جهاز الأمن السابق لتسهيل عملياته الاحتيالية ما تسبّب بتورط عدد من الموظفين الرفيعي المستوى في مراكز القرار في أبو ظبي.

*نقل الشامسي من القاهرة «مخفوراً» الى أبو ظبي حيث لا يزال قيد الاعتقال*

وبعدما وثّقت المخابرات المصرية كل الملفات الشخصية وأعمال السرقة والكلام الذي نسب إليه على لسان سيدات كنّ على علاقة خاصة به.

طلبت القاهرة من السلطات في أبو ظبي المبادرة بخطوات عملية، فتم نقل الشامسي «مخفوراً» الى أبو ظبي حيث لا يزال قيد الاعتقال.

بعد توقيفه واضطرار أجهزة الأمن الإماراتية الى التحقيق في كل أنشطته، أُرسل الى بيروت من يتولى التدقيق في ملفات خدمته.

وتقول مصادر معنية إن عملية تدقيق في الحسابات وفي العلاقات المالية التي كان مكلفاً بها مع شخصيات وجهات لبنانية ومع إعلاميين ووسائل إعلام، كشفت عن فضيحة كبيرة.

إذ إنه كان يسجل أنه دفع لهذا أو ذاك مبلغاً معيناً من المال، فيما كان يدفع قسماً من المال أو لا يدفعه أصلاً.

كما تبيّن أن شكاوى وصلت الى مسؤولين إماراتيين، بعضها لسيدات قلن إن الشامسي تزوّجهنّ، وأسكنهنّ شققاً على أساس أنه اشتراها لهنّ، قبل أن يتبيّن لاحقاً أنها شقق مستأجرة بعدما ظهر مالكوها عقب توقف دفع بدلات الإيجار لهم.

المصادر تشير الى أن الفضيحة قد تتجاوز هذه الحدود، الى مستوى التعاون في عمليات تبييض عملة بين بيروت وأبو ظبي، إضافة الى شكوك أخرى.

وخصوصاً أن السلطات الأمنية الإماراتية كانت قد أوقفت أحد زملاء الشامسي ممّن عملوا بصفة أمنية في بيروت لفترة طويلة، وأُبلغت عائلته أنه حوكم وأدين بتهمة التجنّد لمصلحة حزب الله في لبنان، وتسرّبت أخبار عن وجود نية لإعدامه.

وقال مسؤول أمني لبناني إنه على علم بتطورات ملفات الشامسي وإن جهات إماراتية طلبت التعاون في بعض الأمور، لكن أبو ظبي ترفض الكشف عن الأمر الآن.

وتخشى أن تصيب الفضيحة العشرات، إن لم يكن المئات، من اللبنانيين الذين يعرفهم الناس بصفة إعلاميين وإعلاميات وسياسيين وسياسيات وناشطين وناشطات، وجميعهم كانوا يتصدّون بصورة دائمة لمهمة الهجوم على حزب الله وإيران.

*السبهان رجل السعودية المكروه*

مسلسل الفضائح لا يقتصر على سفير الإمارات السابق في لبنان، بل يشمل الدبلوماسي السعودي ثامر السبهان.

والأخير ضابط برتبة عميد ركن في القوات المسلحة السعودية، كُلّف بمهام ذات طابع أمني ــــ سياسي تحت غطاء دبلوماسي في عدد من الدول، وشغل منصب الملحق العسكري للسعودية في لبنان، قبل أن يعيّن لاحقاً سفيراً لبلاده في العراق، ثم يُرقّى الى رتبة وزير دولة لشؤون الخليج العربي التابع لوزارة الخارجية السعودية.

السبهان المطرود من بغداد ظل حاضراً في أذهان العراقيين، على رغم مرور سنوات على طلب الخارجية العراقية استبداله، في آب 2016، بعد جدل كبير أثارته تحرّكاته التي وُصفت بالاستفزازية والفتنوية وغير الدبلوماسية.

وفي حين تحدّث السبهان، قبيل طرده، عن مخطّط لاغتياله على يد «أذرع إيران»، اتهمه العراقيون بتأجيج الطائفية وشراء الولاءات واللعب على التناقضات، إلى درجةٍ دفعت بإياد علاوي، صديق السعودية، إلى وصف تصريحاته بـ«المزعجة».

واشتُهر السبهان بتوزيعه المال لشراء ولاءات كثيرين من الساسة والنخبة والنافذين.

وتميّز عمله بتوسيع نشاطه «السخيّ» من ساحة «المكوّن السني» إلى ساحة «المكوّن الشيعي» حيث استمال عدداً من الساسة والناشطين.

لكن في النهاية، صَبغت فظاظته وقلّة خبرته الدور السعودي في العراق، كما هي حال تجربته في الملفّ اللبناني، على رغم أن المعلومات تشير إلى أنه استمرّ مدّة بعد طرده من بغداد ممسكاً بالملفّ العراقي.

وتردّد على الأردن حيث استأنف تدخّلاته في شؤون بغداد، ولا سيما في ما يتعلق بالانتخابات، والتقى سياسيين عراقيين هناك.

تركز عمل السبهان على «مكافحة نفوذ إيران وجماعاتها» في المنطقة العربية.

وكان له دور بارز في الفتن والمشكلات الأمنية والسياسية التي رافقت الحملة على حزب الله والمقاومة في لبنان، الى جانب دوره في الفتن الدموية في العراق.

كما كان عضواً في الغرفة الأمنية العربية ــــ الدولية التي تنسّق العمليات ضد إيران وسوريا والعراق، والتي اتخذت من عمان في الأردن مقراً لها.

واشتهر بأن كل زيارة له الى عمان تنتهي بحمله حقائب كبيرة محمّلة بالأموال التي يصرفها في العراق على وجه الخصوص.

وهو بذل جهداً كبيراً هناك لمنافسة النفوذ القطري داخل العشائر العربية في العراق، وخصوصاً أنه يتحدر من قبيلة شمر.

خلال فترة اعتقال الرئيس سعد الحريري، برز دور السبهان في بناء شبكة متعاونين من سياسيين وإعلاميين ورجال دين في لبنان، جلّهم ممن انشق عن الحريري.

وكان يتولّى شخصياً التواصل مع جهات عدة في لبنان، من أجل تنصيب بهاء الحريري بديلاً من أخيه.

وهو من نظّم المقابلة الشهيرة للرئيس الحريري مع قناة المستقبل (12/11/2017)، وتولّى شخصياً اختيار (النائبة المستقيلة والإعلامية السابقة) بولا يعقوبيان للقيام بهذه المهمة.

آخر الأخبار الواردة من الرياض، تشير الى أن ملفاً أمنياً ــــ مالياً كبيراً فُتح للسبهان، ويتردّد أنه موقوف أو في إقامة جبرية.

لكن المؤكد أنه قيد التحقيق، وتمّ توقيف عدد من المقرّبين منه عائلياً ووظيفياً على خلفية شبهات باختلاس ملايين الدولارات من أموال كانت في عهدته، وكانت مخصصة لتقديم مساعدات لأطراف إعلامية وجهات سياسية في العراق ولبنان.

وقد جرى التثبت من اختفاء كمية من الأموال التي نقلت من الأردن الى العراق في سنوات خدمته هناك كسفير، أو كمتابع لملف العلاقات مع خصوم إيران والحشد الشعبي في العراق.

ويجري التداول في أربيل عن فضيحة كبرى تتعلق بالسبهان في الملف الخاص بالأكراد. واحتمال ضلوعه بدور في تغذية مجموعات كردية ضد تركيا وقطر.

ويقول زوار العاصمة السعودية إن وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان أمر برفع الحصانة عن كل من عمل مع السبهان في ملفات العراق ولبنان وسوريا والتحقيق مع كل الذين عملوا في مكاتب بغداد وبيروت وعمان ومن عملوا تحت إمرته في مراكز عسكرية وأمنية حساسة.

ومراجعة كل البيانات المالية الخاصة بعمله، والتواصل مع جهات لبنانية وعراقية وأردنية وسورية لمطابقة بعض الأرقام المالية.

ويصرّ ابن سلمان على العملية في سياق محاسبة «من يتحملون مسؤولية في فشل سياسات المملكة في هذه الدول» على حد تعبير الزوار الذين قالوا إن التداول في ملف السبهان لا يزال في إطار ضيق، وإنه لا يمكن الجزم بمصيره ولا بنتائج التحقيقات الجارية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى