ناس ومجتمع

امتحانات “الثانوية العامة”: الإفادات ليست سبب تدهور سمعتنا التعليمية!

*امتحانات “الثانوية العامة”: الإفادات ليست سبب تدهور سمعتنا التعليمية!*

كتب ماجد جابر في “الأخبار”: تُصر وزارة التربية على السير في امتحانات الثانوية العامة رغم المطالبات المتزايدة من معلمين وتلامذة واتحادات طالبية وأولياء أمور بإلغائها، وتوظيف الجهود للاستعداد للعام الدراسي المقبل، باعتبار أن الظروف القاهرة والأسباب الموضوعية التي أفضت إلى إلغاء الشهادة المتوسطة تنطبق على الثانوية العامة.

يستند وزير التربية طارق المجذوب، في قراره، إلى دعم العائلة التربوية وهيئات تربوية عدة (رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، التفتيش التربوي، مديرية الإرشاد والتوجيه، لجنة التربية النيابية، المركز التربوي للبحوث والإنماء، مديرو بعض المدارس)، رغم التعقيدات التي تواجهها، ولا سيما عدم الجاهزية التعليمية والنفسية لنسبة مرتفعة من الطلاب.

من المسوّغات التي يقدمها تربويون ومعنيون بالاستحقاق من مديري مدارس ومعلمين وتلامذة وأولياء أمور للمطالبة بالإلغاء، أن الامتحانات مشوبة بغياب العدالة والمساواة التعليمية بين الطلاب، وتفتقر إلى الصدقية والشمولية وهزال التقييم لمحتوى تعليمي ممسوخ ومقلّص إلى الثلث، وعدم تحقق الأهداف التعليمية لدى غالبية الممتحنين، فضلاً عن أنها امتحانات صورية.

كما أن الاستعداد للاستحقاق كان ضعيفاً، إما بسبب إخفاق التعليم عن بعد لعدم توافر الإمكانات الخاصة به لدى عدد كبير من الطلاب، وضعف المحتوى الرقمي، فضلاً عن عدم توافر البنية التحتية من كهرباء وإنترنت، وإما بسبب العودة الشكلية للتعليم المدمج والتي لم تحقق الغاية المرجوّة منها لناحية إجراء تعليم تعويضي أو استكمال المنهج بصورة سليمة.

أما على المستوى الصحي، فتشكل مراكز الامتحانات لاستيعاب ما يقارب 40 ألف تلميذ، بؤراً خطيرة لإعادة تفشي وباء كورونا، خصوصاً مع تزايد حالات المتحور الهندي (دلتا)، ما يتطلب إجراءات وقائية مشدّدة، قد لا يكون، على الأرجح، للوزارة القدرة على القيام بها.

الأسئلة كثيرة حول قدرة كل مراكز الامتحانات على توفير الاحتياجات اللوجستية اللازمة لنجاح الاستحقاق على مدار الأيام الثلاثة المخصّصة لكل فرع من الفروع الأربعة: العلوم العامة، علوم الحياة، الاجتماع والاقتصاد والآداب والإنسانيات، خصوصاً أن كلفة الامتحانات المرصودة من الجهات المانحة، ستكون أكبر من المردود التربوي الشكلي الذي ستنتجه، وستنفق بغالبيتها على بدلات المراقبة والتصحيح وأتعاب اللجان. وبالتالي قد يكون من الأجدى استثمار هذا المبلغ في دعم صناديق المدارس الرسمية المتعثرة، أو تجهيز بعضها بأجهزة إلكترونية للتعليم عن بعد، او استثمار جزء منها في دفع تكاليف برامج تعليم تعويضي مخصّصة لتلامذة المدارس المتعثرة، والتحضير عملياً للعام الدراسي المقبل.

تحدّ آخر يكمن في خرق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص عبر اعتماد مواد اختيارية دون أخرى، ما يحرم الممتحنين في الصف الواحد من ظروف موحّدة خلال الامتحان. وقد يمنح اختيار مادة معينة أفضلية لتلميذ على آخر في مادة أخرى مختارة لناحية سهولة أو صعوبة الامتحان، إضافة إلى تحويل بعض المواد الاختيارية في الفروع الأربعة، ولا سيما مواد الاجتماعيات (تاريخ، جغرافيا وتربية) في وضعية أدنى من مواد أخرى على مستوى التقييم وعلى مستوى اهتمام الطلاب بها مستقبلاً.

يخطئ من يظن أن إعطاء الإفادات في هذه الظروف العصيبة ينتقص من قيمة الشهادة الرسمية ويضرب سمعتها وسلطتها، بل هي حاجة طارئة وملحة. فالتجارب السابقة في إعطاء الإفادات لم تؤثر سلباً على قيمة الشهادة أو سمعة لبنان التعليمية التي تدهورت كثيراً لأسباب أخرى لا ترتبط بالشهادة، ولتكن امتحانات دخول الجامعات وسيلة العبور إلى التخصّصات الجامعية التي يرغب فيها الطلاب والحكم العادل بين الطالب المجدّ والتلميذ المقصر. وإذا كان الهم هو حماية حق بعض الطلاب في الالتحاق بجامعات الخارج التي تشترط شهادة رسمية، فليتمّ تنظيم امتحانات خاصة بهم، على غرار طلاب الطلبات الحرة، وربما لا تتجاوز نسبة هؤلاء 5 في المئة من مجموع المرشحين للامتحانات، ولا سيما في ظل الانهيار المالي والاقتصادي الذي دفع أهاليَ كثراً إلى العدول عن تعليم أبنائهم في الخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى